Wednesday, September 17, 2008

القصر

ما الذي تعنيه بأن هذا القصر لا يظهر إلا ليلاً ..
هكذا صاح ( نبيل ) فأجابه ( نادر ) مبتسمًا في ثقة :
- أنا واثق مما أقول .. هذا القصر لا يظهر إلا ليلاً و لمن يختارهم فقط ..
- ماذا ؟
- القصر يختار من يظهر له .. هكذا يقولون و هذا ما أعرفه ..
هنا قالت ( ليلى ) بدهشة واضحة :
- لكن .. كيف ؟!
فأشار لها ( نادر ) لتجلس جواره و قد جلس ( نبيل ) أمامها و قد بدا عليه عدم التصديق , ليبدأ ( نادر ) في الشرح :
- هذا القصر كان يسكنه عالم غريب الأطوار لم يعرف أحد عنه شيئًا طيلة فترة إقامته في القصر .. أتحدث عن الأيام التي كان فيها القصر واضحًا للكل .. لكنه لم يعد كذلك بعد التجربة التي نفذها هذا العالم الغريب ..
فسألت ( ليلى ) حائرة :
- عن أي تجربة تتحدث ؟
ليجيب ( نادر ) , و نوع من الحيرة يتسرب إلى صوته :
- لست واثقًا من طبيعة التجربة .. هناك من قالوا أنها تجربة مصدر جديد للطاقة , و هناك من قالوا أنها تفتح ثغرة بين عالمنا و عالم الأشباح .. القصص كثيرة و لا شيء مؤكد .. فقط نحن نعرف أن القصر اختفى بعدها تاركة أرضًا لا يجرؤ أحد على دخولها .. هكذا أقاموا ذلك السور حول الأرض و هكذا قرر الكل تجاهل هذه الأرض و عدم الاقتراب منها خاصة و أن العالم ذاته لم يظهر أبدًا بعدها , فلم تعد الأرض ملكًا لأحد و لم يرغب فيها أحد .. و لكن ..
و توقف ليشير بيده إلى الأرض الخاوية على الناحية الأخرى من الشارع حيث جلسوا , و التي أحاط بها سور محكم يعزلها عن الفضوليين , ليردف في قلق هذه المرة :
- لكن القصر ظهر .. و بدأ الأطفال في الاختفاء ..
هنا بدا الخوف جليًا على ( نبيل ) و ( ليلى ) , و صاح ( نبيل ) :
- يختفون .. كيف ؟! .. لماذا ؟!
فأشار لهما ( نادر ) كي يخفضا من صوتيهما , و ليقول بحزم هذه المرة :
- نعم .. بعد الأطفال الذي ظهر لهم القصر دخلوه .. هكذا تقول الحكايات .. دخلوه لكنهم لم يخرجوا منه أبدًا .. اختفوا معه إذ اختفى مرة أخرى ..
تعاظم الخوف الظاهر على وجهي ( نبيل ) و ( ليلى ) و إن لم ينطقا هذه المرة , فعاد ( نادر ) ينظر إلى الأرض المعزولة , ليقول بشرود :
1ها قد أخبرتكما بكل ما أعرف .. الليلة سأحاول دخول القصر لكشف سره .. فهل أنتما معي أم لا ؟
الواقع أنك أحسنت الإختيار !
لقد نجوت بنفسك على الأقل ..
فما نعرفه أن ( نبيل ) و ( ليلى ) وافقا على اقتراح ( نادر ) و أنهم انتظروا أمام الأرض حتى ظهر لهم القصر ..
نعرف أيضًا أنهم دخلوه و أن مفاجأة مذهلة كانت في انتظارهم في الداخل , لكن ..
لكنك اخترت عدم الدخول ..
لذا دعنا من هذا كله .. ماذا ؟ .. غيرت رأيك و تريد الدخول ؟!
هكذا و بعد أن مرت ثلاث ساعات كاملة دون أن يظهر أي شيء , بدأ الإحباط في التسلل إلى ( نادر ) و ( نبيل ) و ( ليلى ) ..
لقد خرجوا من منازلهم في الليل متجهين إلى تلك الأرض المعزولة , و كانوا حينئذ يشعرون بالخوف و الترقب ..
ما الذي سيحدث ؟ ..
هل سيظهر القصر الخفي ؟
ما الذي سيحدث لهم داخله ؟
لكن بعد مرور ثلاث ساعات لم يحدث فيها أي شيء , و لم يظهر خلالها سوى قط ضال مرّ من أمامهم بتكاسل , صح ( نبيل ) في ضيق :
- أضعنا الليلة على سخافة .. لا يوجد قصر و لا يوجد شيء لنراه أو لنفعله ..
قالها فوقفت ( ليلى ) و قد بدا الإرهاق عليها , لتقول :
- سأعود إلى منزلي .. لقد تأخر الوقت ..
- انتظري ..
قالها ( نادر ) هذه المرة , فالتفتا إليه , ليكمل :
- القصر لن يظهر لأي أحد في أي وقت .. لذا علينا أن ننتظره ..
- لكننا هنا طيلة الليل و لم يحدث شيء !
و قال ( نبيل ) و هو يقف مستعدًا للرحيل هو الآخر :
- إذن القصر لم يخترنا لندخله .. لا فارق .. أنا أيضًا سأعود إلى منزلي ..
فلم يجد ( نادر ) ما يقوله ليقنعهما في البقاء , ليهزّ كتفيه و ليقف هو الآخر و نوع من الحزن واضح عليه , قائلاً :
- كما تشاءان .. هيا بنا ..
فارتفع صوت رجل من خلفهم فجأة :
- تريدون دخول القصر .. أليس كذلك ؟
فانتفض الثلاثة في رعب , و هو يلتفتون إلى مصدر الصوت ليجدوا أنفسهم أمام رجل طويل القامة أصلع الرأس , و إن أحاطت فمه ذقن صغيرة بيضاء , و استقرت على أنفه عوينات أنيقة , و قد بدا عليه الهدوء , و هو يكرر :
- أتريدون دخول القصر أم لا ؟
فصاحت ( ليلى ) في خوف :
1من أنت ؟
أنا الوحيد الذي من حقه أن يسمح أو يرفض دخولكم قصر ..
فشهق ( نبيل ) في انبهار , بينما بدا الذهول على ( نادر ) و هو يشير للرجل , قائلاً :
- أنت .. أنت العالم الذي ..
فأكمل العالم له :
- العالم الذي بنى هذا القصر و الذي أخفاه عن الأعين .. نعم .. هو أنا ..
و دون أن ينتظر ردهم , بدأ في عبور الشارع إلى الأرض المعزولة , قائلاً :
- و ها أنا عائد إليه .. لو أردتم الإنضمام إلي .. أسرعوا ..
هنا نبادل أبطالنا الثلاثة النظرات , و بدون أن ينطق أحدهم بحرف , انطلق الثلاثة يعدون وراء العالم , الذي بلغ الأض ليقف عند مدخلها , و ليصفق بيده في هدوء شديد ..
للحظة لم يحدث شيء .. لكن في اللحظة التالية خرج ضباب كثيف من الأرض على نحو أثار خوف ( ليلى ) التي تراجعت , هامسة :
- ما الذي يحدث ؟
لكن ( نبيل ) أمسك بها ليهدئها , و قد أخذ الضباب أمامهم يتصاعد بإرتفاع هائل , مغطيًا كل شيء أمامهم و .. و ..
و فجأة و من وسط الضباب ظهر القصر !
ظهر ضخمًا هائلاً غامضًا يحيط به الضباب كعباءة , و قد تسلل الضوء من نوافذه عبر سحب الضباب , بينما اتجه العالم إلى مدخله , ليفتحه ببساطة , قبل أن يلتفت مشيرًا للثلاثة :
- هيا بنا ..
فلم يتردد الثلاثة لحظة و هم يتبعونه إلى داخل القصر , ليجدوا أنفسهم في قاعة ضحمة دائرة خاوية إلا من درج يقود للطوابق العليا , اتجه إليه العالم و بدأ في صعوده و هو يقول :
- اتبعوني فلقد بدأ الإختبار ..
هنا بدت الصدمة على أبطالنا , و سأل ( نادر ) في حيرة :
- إختبار ؟ .. أي اختبار ؟
فالتفت له العالم مبتسمًا ابتسامة غامضة , مجيبًا :
- فقط لو نجحتم في الإختبار سأفكر في السماح لكم بالخروج , لكني لا أعدكم بشيء ..
فسأل ( نبيل ) بخوف هذه المرة :
- ما الذي تعنيه ؟
ليجيبه العالم و ابتسامته تتسع :
2أعني أنكم لن تخرجوا من هذا القصر أبدًا ..
هنا صاحت ( ليلى ) في لهفة :
- الباب .. لنخرج من حيث دخلنا ..
فأسرع الثلاثة إلى مدخل القصر , لكنهم توقفوا ذاهلين و قد وجدوا أنفسهم أمام 5 أبواب متشابهة , أشار لها ( نبيل ) في حيرة , قائلاً :
- أيهم الباب الصحيح ؟ .. أيهم الذي سيقودنا للخارج ؟
فبدت الحيرة على ليلى و لم تجب , بينما قال ( نادر ) في تصميم :
- لنجرب و لنعرف ..